Essay on Notre Dame de Sion

 كلية العلوم الانسانية والاهوتية بالسكاكينى

رهبنة نوتر دام دى سيون

 عمل الطالبة / فيكتوريا نبيل حلمى

 تحت اشراف / الاب انطوان

 

Icon de paix

Icon de paix

 السنة الدراسية 2011: 2012

المقدمة

 تأسَّست رهبنة نوتردام دي سيون في فرنسا على يد تيودور راتيسبون في منتصف القرن التّاسع عشر. وُلِدَ تيودورعام 1802 ، تمامًا بعد أحد عشر عامًا من اندلاع الثورة الفرنسيّة الّتي وقعت في فترة اضطّراب سياسي واجتماعيّ في فرنسا وفي باقي أنحاء أوروبّا. كذلك واجهت الكنيسة الكاثوليكيّة أشكالاً من الاضطّرابات الداخليّة. وقد ظهرت في نفس الآونة شخصيّات لامعة لمواجهة الاحتياجات الاجتماعيّة الملحّة، وقد بلغ الأمر إلى أن قام بعضُهم بتأسيس رهبانيّات جديدة. كان تيودور راتيسبون واحدًا من هؤلاء المؤسّسين.

واليوم، تعبّر رهبانيّة نوتردام دي سيون عن موهبتها كشاهِدة «على أمانة الله لحبّه للشعب اليهوديّ وللوعود الّتي أوحى بها إلى الآباء وأنبياء إسرائيل لصالح كلّ البشريّة». (القوانين، بند ١٣).

وقد أخذت أعضاء الرّهبانيّة على عاتقهم أن يشاركوا في بناء «عالَمِ سَلامٍ وعَدْلٍ ومَحَبّةٍ» (القوانين، بند ١٣) لصالح كل البشر بغض النظر عن جنسهم، أو دينهم، أو لُغتهم أو ثّقافتهم.

المؤسس تيودور راتيسبون

Fr.Theodore Ratisbone

Fr.Theodore Ratisbone

  المؤسس تيودور لويس هيومان

وُلِد تيودور راتيسبون في ستراسبورج عام 1802 في عائلة يهوديّة كانت في طريقها إلى أن تندمج مع المجتمع الفرنسي بفضل الثّورة الفرنسيّة الّتي كان من نتائجها تمكين اليهود من التّمتّع بالجنسيّة الفرنسيّة الكاملة.

وقد كبُرتيودور راتيسبون في مناخٍ تعليميٍّ وأسريٍّ ودودٍ حيث لم يكن للدّيانة أيُّ دورٍ هامٍّ. «كانت الدِّيانة بالنِّسْبَة لي شيئًا بغيضًا، سواءً كانت ديانتي أو أي ديانة أخرى».

وذات يوم، بالرّغم من اضطِراباته الباطنيّة، توسّل إلى الله مخاطبًا إيّاه بهذه الكلمات: «ياربّ، إذا أنتَ موجود فعلاً، قُدْني لمعرفة الحقيقة، وإذا عرفتُها أقسم أنيّ سأكرّس حياتي من أجلها». وكان أن تلقّى دروسًا على يد الفيلسوف الشّاب لويس بوتان ( Louis Bautain) الّذي كان قد وجّه أبحاثه في مجال الكتاب المقدّس. فكانت هذه الدروس بمثابة الطّريق الذي قاد تيودور رويدًا رويدًا نحو اكتشاف الله الّذي يملأ العهدين القديم والجديد بحضوره.

وكان لاكتشاف تيودور ما جاء في رسالة يوحنّا الأولى من أنّ «الله محبّة» حتّى صار لحياته معنى جديد. وقد أسّس على ضوء هذه الآية أساس روحانيّته. وقد نال المعموديّة وهو يبلغ من العمر ٢٤ عامًا، بالتّحديد في سبت النّور ١٤ أبريل ١٨٢٧ على يد سيّدةٍ تُدْعَى لويز هيومانّ (Louise Humann) لَعِبَتْ دورًا هامًّا في حياة تيودور ثم نال الرّسامة الكهنوتيّة بعد ذلك بعدّة سنوات . ومن خلال حياته المسيحيّة أولاً ثم الكهنوتيّة ثانيًا، فإنّ كلمة الله قد ألهمته ودَعَتْه إلى الحياة الرّسوليّة الّتى بدأ يحقّقها في حياته بعد خمس عشرة سنةً.

Louise Humann

Louise Humann

نشأة الرهبنة

لقد كانت معجزة ظهور العذراء لشقيق تيودور الاصغر، ألفونس، فى روما في20 يناير سنة 1842بمثابة نقطة الانطلاق لكل من الأخَوَيْن. فقد وصل الفونس الى الايمان بيسوع المسيح. وفى غضون عدة ايام صار كاثوليكيًّا بعد أن نال سرّ المعموديّة . وقد دَفَعَ الفونس أخاه تيودور لكى يقوم بعمل لأجل العائلات اليهودية الفقيرة، حيث رأى الفونس معاناة تلك العائلات بعينه فى ستراسبورج وفى روما أيضا. وافق تيودور على فكرة أخيه ألفونس الّتي تنسجم تمامًا مع رغبته هو الشخصية والعميقة، إلا أنه رفض القيام باى عمل قَبْل أنْ يحصل على تكليف من الكنيسة .

بعد بضعة شهور سافر تيودور الى روما فصلّى فى كنيسة القديس اندراوس قبل ان يلتقى مع الحَبْر الرّومانيّ. صدّق البابا غريغوريوس السادس عشر على تفسير تيودور «للعلامة» وبارك الرّسالة الّتي بدأت الكنيسة في إسنادها إليه لصالح شعبه اليهوديّ.

طبقا للتعاليم اللاهوتية فى ذلك الوقت، فإنّ هذه الرسالة تعنى الصلاة حتّى يَقْبلَ اليهودُ يسوعَ باعتِباره المسيحَ المنتظر.

بعد أقلّ من شهرين استلم تيودور خطابا يتضمن طلبا بِقَبُول بِنْتَيْ السّيدة وورمسر، وهى سيدة يهودية من المجر، في دار العناية الإلهيّة.فقد كانت وصيّة أمّهما قبل وفاتها ان تنشأ بنتاها نشأة كاثوليكية.

ونظرًا لأنّ تيودور كان في حاجة للعون، فقد دعا سيدتين هما صوفى ستوهلن ولويزا وايوادا، اللتان كانتا قد عاونتاه في عمله الرّعوي فى ستراسبورج، لتَلْحَقا به فى باريس لصالح «العمل» الجديد .

كذلك وضعت عائلات يهودية اخرى عديدة أولادهن تحت رعاية تيودور وطلبن في الآن ذاته تعميدَهم فى الكنيسة الكاثوليكية .

تُرَى ما هو الاسم الذي يمكن أن يكون قد طرأ ببال تيودور ليطلقه على هذا «العمل»؟ بالتأكيد لم يفكّر إلّا في اسم واحد. انه «عمل» مريم. ويجب تكريسه لسيدتنا مريم العذراء. بالقرب من نهاية نفس العام 1843 بينما كان تيودور يصلى ذاتَ صباح فى كنيسة دار العناية الالهية وقع نظره على كتاب المزامير. عندما فتحه كانت كلمة „صهيون“ Sion الاسم الكتابى لمدينة اورشليم – أوّل كلمة قد استوقفت انتباهَه. اسم العمل سيكون „نوتردام دي سيون“ )سيدة صهيون). تحت ادارة السيدة صوفى تولّت السيدات مهمّة تعليم الفتيات اليهوديات اللاتى عهدت بهنّ عائلاتُهنّ تحت رعايتِهن. بعد فترة وجيزة، طلبت أولئك السيدات أنْ يُبْرِزْن التِزامًا رهبانيًّا. ولكن تيودور رفض ذلك لأنّه لم يكن يشعر بانه مدعو لتاسيس رهبنة نسائية . وقد كتب يقول „لم يخطر ببالى ابدا ان اقوم بتاسيس رهبنة لأَنّني لا أعرف سِوَى القليل عن الجمعيات الرهبانية“. وأخيرًا استجاب للالحاح المتكرر من قبل السيدات، وكان التكريس الاول بدون نذور قد تم يوم 30 مايو 1846. وفى فبراير 1847 وصل القرار من روما مع البركة الرسولية “ لاجل اعضاء الجماعة التى تاسست حسبَ القواعد المرعيّة فى باريس“. وبعد ذلك بـ 16 سنة، فى عام 1873، صدر القرار النّهائي باعتماد الرّهبنة بصورة نهائيّة مما أضفى فرحة غامرة على قلب تيودور والرّاهبات.

الله محبة روحانية الرهبنة

Sisters 1950

Sisters 1950

لم تَكُن حياةُ الرهبنة بالنسبة الى تيودور مُختَلِفةً عن الحياة المسيحية إذا عاشها المؤمِن حسب الحق والكمال. وكان هذه الاستجابة لنداء اللّه المُطْلَق – جلّ جلالُه- أفضل تنفيذٍ للأمر الإلهيّ „اسمع يا اسرائيل“ الّذي كان تيودور يحب ان يردّده كثيرا. „اسمع يا اسرائيل، الرب الهك رب واحد، احبب الرب الهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، وبكل قوتك“. (تثنية 6 :4)

وفي الواقع، لم تكن دعوة «نوتردام دي سيون»، في رأي تيودور، سوي دعوة للحبّ.“اولا يجب علينا ان نحب شعب اسرائيل“. لقد كان إحساسُه الباطنِيُّ الأساسى هو أنّ الكنيسة تدعو «نوتردام دي سيون» لكى يبقى حب الله المستمر للشّعب اليهوديّ حيًّا بصورة محسوسة داخل الكنيسة. لقد كان يقوم بتذكير الراهبات دائما بالجذور اليهودية للمسيحية، وان يسوع، باعتباره ابنًا لإبراهيم، قَدْ وُلِد يهوديا .“ العهد القديم بالنسبة للعهد الجديد هو مثل الجذر للشجرة بكلِّ ما عليها من فروع وأوراق وثمار. فلا يمكن القول بان قمة الشجرة لا ترتبط بالجذر والجذع. ان جميعَها كيانٌ واحد“.

يجدر التذكير هنا بأن تيودور كان منسجماً تمامًا مع لاهوت الكنيسة فى ذلك الوقت فحسب الإيمان السّائد آنذاك، لم يكن تيودور يؤمن لا بالدعوة الأبد يّة للشّعب اليهودي ولا بأهمّيتها بالنّسبة لهم.

إنّ وثيقة المجمع الفاتيكانيّ الثاني “في عصرنا” (Nostra Aetate) الصّادرة فى سنة 1965 ثبّتَت «نوتردام دي سيون» في مفهومها لدعوتها في كونِها شاهدة على حب الله الأمين لشعب اسرائيل وفي دورها من أجل إقامة علاقات افضل وإرساء دعائم حوار بين جماعَتَي الإيمان.

  كان من النادر ان يطلب من الراهبات صلوات بصوتٍ عالٍ. “ صلى لابيك السماوى وهو يعرف أحسنَ منْكِ ماذا ينقُصُكِ… كرّري صلاةَ «ابانا الذى» وتوقّفي عند كل كلمة. مهما كانت كلماتنا، فهي لا تثمر بقدر ما تُثْمِرُ كلمات يسوع المسيح “ كان اتجاه تيودور واضحا: حبُّه لكلمة الله قاده الى تفضيل صلاة التّسبيح والبركة. ونظرًا لتشديده على البركة، فقد استرجع فى عقله التقليد اليهوديّ الذى يدعو الشخص الى أنْ يبارِك الله مائة مرة كل يوم من أجل كل شىءٍ، وكل حدث، وكل لقاء. ولِدَمْج الصلاة بالعمل عند الراهبات، فقد طلب منهنّ أن يعِشْنَ في حالة شكرٍ دائمٍ „أهمُّ شىءٍ هو أن نُحِـبَّ وان نَشْكُرَ على الدوام “ وحيث ان البركة والشكر حاضران فى الافخارستيا فقد أراد تيودور أن تكون الافخارستيا مركزَ حياةِ الجماعة. لقد قام بتوجيه الراهبات منذ البداية الى دراسة العهد القديم وحِفْظِ المزامير عن ظهر قلب وتكريم مريم العذراء باعتِبارِها ابنة صهيون الفُضْلَى.

 كان تيودور يؤمن بان صلاة الرّاهِبات يجب أن تكون كتابيةً ( من الكتاب المقدس) ، فوق كلّ شيءٍ، وأنّ «الحبّ» هو ما تتميّز به الحياة في «نوتردام دي سيون». كان تيودور يكرر القول « الصلاة حبّ، لا يمكن لأحد أن يدّعي بأنّه يحب أكثر من اللازم». ذات مرة قال صائحا للمبتدئات“ اريد ان يكون قلبكن اوسع من العالم. القلب يتسع مع شعلة الحب وهذه الشعلة يجب ان تضرم الشعلات الاخرى „

أورشليم ومؤسسات أخرى

Jerusalem

Jerusalem

كانت اورشليم احدى الأماكن التى أراد تيودور أن يرسل الراهبات اليها.

«وهذا المكان المقدس الذى اختاره الله هومثل كتاب يحتوى على كل أحداث التاريخ المقدس منقوشةً بحروف حية».

وكان تيودور معتادًا أن يقول، منذ تأسيس الرّهبنة، سنةً بعد الأخرى: «السنة القادمة في أورشليم».

فى عام 1852، وبعد إحدى عشرة سنة مع الرهبنة اليسوعية، فإنّ شقيقه ألفونس، بعد أن صار كاهنا، شعر أنّه مدعوٌّ لكي يلحق بأخيه تيودورفى أُسْرَةِ «نوتردام دي سيون» حديثة التّأسيس.

وقد وضع الفونس نفسه تحت تصرف شقيقه تيودور. وبعد سنتين تحدث مع تيودور عن دعوته القوية بأن يقضى باقى حياته فى اورشليم .

وبفضل موهبة التّمييز، رأى تيودور عمل الله في كلمات أخيه فوافقه على الطلب. وصل ألفونس إلى أورشليم في اليوم الثاني عشر من سبتمبرعام1855. وفي السّادِس من مايو من العام التّالي، لحقته أربعُ راهِبات.

وبعد اورشليم استمر تأسيس البيوت فى بلاد أخرى. وقد أعطِيَت الأولويّة للأماكِن التى كان كانَ فيها سكانٌ يهودٌ: تركيا، رومانيا، إنجلترا، مصر، تونس، النّمسا- المجر (الإمبراطوريّة النّمساويّة المجريّة).

بلغ عدد البيوت الّتي تأسّست في عهد تيودور واحدًا وعشرين بيتًا. كان العديد منها فى البلدان التى يسكنها عدد كبير من المسلمين. وحسب تيودور فإنّ «لاسماعيل مكانة خاصة في “نوتردام دي سيون” تلي مكانة إسرائيل». وكانت هناك بعض البيوت الاخرى للراهبات فى البلدان التى فيها طوائف مسيحية مختلفة. لقد كتب إلى الراهبات فى إنجلترا يقول: «إنَّ المُصالَحة تكون مهمةً بقدر ما يتمكّن النّاس من أنْ يقتربوا بعضهم إلى بعض. فهيّا تعرّفّنَ على الآخر واعربْن عن تقديركن له».

 وقد توفى تيودور عام1884. وتُعتبر مقبرتُه الواقعة في مدفن صغير في جراندبورج مزارًا لراهبات «نوتردام دي سيون»، ورهبانها، وطلابها وأصدقائه يحضرون الى هذا المكان اعجابا بهذا الرجل القديس ويرغبون فى الاستزادة أكثرمن تعاليمه وروحانيته وحكمته.

عمل الرهبنة

 ومع مرور الوقت، صارت «نوتردام دي سيون» منتشرة الان فى اثنين وعشرين دولة مختلفة عَبْرَ القارات السِّتّ، يعمل فيها الاخوة والاخوات فى مجالات متنوعة من التعليم، اللاهوتى، والكتابى، والتكوين الدينى، والرعوى لكى يُذَكّروا الكنيسة بالجذور اليهودية للمسيحية من جهة، وبأنّ يسوع ومريم والتلاميذ الأوّلين كانوا من اليهود وقد نشأوا بواسطة في ظلّ تعاليمَ وشخصيّاتٍ وصلاةٍ متشبّعة بالكتاب المقدّس، من جهةٍ أخرى.

لذلك، فإنّ اعضاء «نوتردام دي سيون» يشاركون ايضا فى الحوار اليهودى- المسيحى، وحوار بين الاديان, ويعملون لاجل تحقيق المصالحة، وكذلك لمقاومة اى شكل من اشكال العداء للسامية والتفرقة والظلم في المجتمع.

لحظات تاريخيّة هامّة

            1- الحرب العالميّة الثّانية (1939 – 1945)

            كانت الحرب العالميّة الثّانية مأساةً مروّعة للإنسانيّة، وكانت كارثةً بالنّسبة للشعب اليّهوديّ. فقد مات ستة ملايين من اليهود نتيجةً لقرار هتلر بإبادة يهود أوروبّا. وقد شارك أباء وراهبات «نوتردام دي سيون» بكلّ همّة في إنقاذ وحماية وإخفاء اليهود لا سيّما الأطفال منهم. وقد سعت كلتا الجماعتين، جماعة الكهنة وجماعة الرّاهبات، في التّفكير من جديد في «الدعوة الإلهيّة» (الموهبة) الّتى وهبها الله للأب «تيودور» وتساءلوا حول الطريقة الّتي يمكننا بها أن نحيا دعوتَنا اليوم على ضوء علامات الأزمنة الّتي نعيشها.

            2- المَجْمَع الفاتيكاني الثّاني (1962- 1965)

            من خلال هذا الحدث، فإنّ الرّوح قاد الكنيسة إلى مرحلة جديدة من تاريخِها، لكي تُعيدَ النَّظرَ إلى علاقاتها بالعالم الحديث، والأسلوب الّذي يمكنها من خلاله أن تعيش رسالتها في الوقت المعاصر.

            وقد اعترفت الكنيسة بقيمة طموحات الإنسانيّة وآلامها، وكذلك بشرعيّة الكنائس الأخرى غير الكاثوليكيّة، بالإضافة إلى اعترافها بثبوت الحقيقة في الأديان الأخرى. وقد أدّى هذا المناخ إلى حدوث تطوّر رائع في علاقة الكنيسة بالشعب اليهودي، كما يتّضح من النّصوص الآتية المأخوذة من الوثيقة المجمعيّة المسمّاة «Nostra aetate»= في عصرنا ) الصّادرة في عام 1965 :

«إن هذا المجمع المقدس، إذ يتقصى سر الكنيسة يذكر الرباط الذي يربط روحياً شعب العهد الجديد بذرية إبراهيم. وكما يقول الرسول (روم 11: 28-29)، فإنَّ اليهودَ لا يزالون بسبب الآباء أعزَّاء لدى الله، لأن مواهب الله ودعوته هي بلا رَجْعةٍ ولا ندامة. وبما أن للمسيحيين ولليهود تراثاً روحياً مشتركاً وسامياً، يريد هذا المجمع المقدس أن يوصي بالمعرفة والتّقدير المتبادلين وأن يعززهما بين الاثنين؛ ويتمّ ذلك خصوصاً من خلال الدروس الكتابية واللاهوتية وبالحوار الأخوي.»

وقد كان من شأن هذين الحدثَين أن قادا الرّهبنة إلى إعادة النظر في دعوتها المُمَيّزة – الكاريزما- وإعادة صياغة هويّتها على النّحو التالي: «إنّنا مدعوّون لكي نشهد في الكنيسة وفي العالم بأنّ أللّه لا يزالُ مخلصًا في محبّته للشّعب اليهوديّ» … «ولكي نعمل ونصلّي ترقّبًا وتلهّفًا لمجيء ملكوتك الّذي ليس إلاّ ملكوت عدلٍ وسلامٍ وحبِّ».

(من كتاب قوانين الرّهبنة، 2،80).

قوانين الرهبنة

هذه ليسَتْ كلَّ قوانين الرهبنة بل اخترنا منها ما يُعبِّرُ عن روحانية الرهبنة فى الايام الحالية.تم تعديل القوانين بعد المجمع الفاتيكانى الثانى فى عام1984.

البند 4- يجعلنا ايماننا بيسوع المسيح نتحد بالشعب اليهودى فى حين أن هذا الايمان يفصلنا أيضاً عنه.

ان يسوع المسيح(ابن الله) تجسد فى هذا الشعب الذى بادره الله بأن كشف له اسمه قبل أن يكشفه لأى شعب غيره. وفى يسوع وهو(الذى يجمع فى شخصه الناموس والانبياء) تتحد الكنسية بجذور الشعب اليهودى، باستمراره التاريخى وبمصيره النهائى ــــ أى بتحقيق ملكوت الله، الذى تتوق اليه كل الخليقة.

نحن نؤمن أن هذا الملكوت ، الذى وعدنا به الله ، موجود فى شخص المسيح القائم من بين الأموات ، وأن فى يسوع يعطينا الله ما يضمن لنا اتمام هذا الملكوت النهائى.

البند 6- تتميز دعوتنا بالمقام المركزى الذى تشغله كلمة الله فى حياتنا.

يعلن الله بكلمته عن أسمه وعن قراره لفداء العالم. ويجعلنا بروحه نكتشف الرباط الذى يربط بين أحداث الحياة الواقعية وهذه الكلمة. لأن الأحداث تسمعنا ما يقوله لنا الكتاب المقدس. والكتاب يعلن لنا عن معنى الأحداث والوجود الانسانى.

ومطلوب منا أن نحفظ الكلمة فى قلوبنا، أن نتأملها وندرسها، وأن نشرك فيها غيرنا ونحيا بموجبها.

البند 7- أن كلمة الله فى العهد القديم موجهة الى اليهودية والمسيحية. وفى الكنيسة، نؤول كلام الله على ضوء المسيح. ونتعهد اننا ساهرات على الطريقة التى يؤول بها اليهود الكتاب المقدس فى حياتهم وتقليدهم. هذا يؤدي بنا الى أن ندرك جذورنا ادراكا اعمق وأن نفهم الديانة اليهودية فهماً أفضل . ودعوتنا تنادينا على أن ننمي فى الكنيسة هذا الادراك وهذا الفهم.

البند 8″ فى الافخارستيا، نحتفل بالمسيح فى سره الفصحى، حاضراً وعاملا بيننا. يعطينا القوة لنحب بعضنا بعضا كما أحبنا، وان نضحى بحياتنا فى أثره لمصالحة العالم مع الآب، „حتى يتم الفصح النهائى فى ملكوت الله“( لوقا22: 16).

البند 9- ان اسم سيدة „صهيون“ الذى اختاره مؤسسنا، يدل على معنى شخص مريم بالنسبة الينا.

ابنة „صهيون“ فبكل معنى هذه الكلمة عاشت مريم تمام ايمان شعبها ورجاءه وبقبولها كلمة الله، أصبحت ام يسوع وتبعته حتى الصليب.كانت حاضرة فى أوائل الكنيسة.ومنذ دخولها فى تمام الفداء، ثبتت لنا المصير الذى نحن كلنا مدعوون اليه.

البند 15- تدفعنا أحداث العالم وخبراتنا الى أن ننصت لصرخة المضطهدين ونسمع( بقوة جديدة،) ترديد دعوة الله لاتمام العدل. وكنيسة اليوم تكررلنا ضرورة القيام بهذه الواجبات الملحة.

ان تاريخ الشعب اليهودى يجعل أن يكون وقع شديد فى قلوبنا لحقوق الأقليات والفقراء وجميع المتروكين على هامش مجتمعنا. وهذه الحالات تحثنا على التفكير والصلاة وتطالبنا بتعهدات واقعية.

رهبنة «نوتردام دي سيون» في مصر

 سير ايمانوئيل

كان الأب تيودور يريد منذ البدايات الأولى من تاريخ الرّهبنة أن يؤسّس جماعة راهبات في الاسكندريّة في القطر المصري. ذلك لأنّ اسم الاسكندريّة ينعش ذكريات قديمة: فالمسيحيّة تأسّست في هذه المدينة العظيمة على يد القدّيس مرقس. أراد الأب تيودور كذلك أن تكون جماعة الرّاهبات في مصر على اتّصال بجماعة الرّاهبات في الأراضي المقدّسة. فكتب إلى الأمّ لوسي ماركس ماير، رئيسة جماعة أورشليم/القدس، الّتي ستكون مسؤولة عن الجماعة الجديدة في مصر: «أنت تعرفين عشقي لهذا البلد الّذي كان له حظ استقبال العائلة المقدّسة. إنّي شديد الإيمان بأنّه ليس هناك بلد في العالم يضاهيه في عدد القديسين الّذين أنجبهم هذا البلد».

وقد شاءت العناية الإلهيّة أن تصل الرّاهبات الأوائل إلى حيّ الرّمل بالاسكندريّة في يوم الأحد 25 أبريل 1880، وهو نفس اليوم الّذي تحتفل فيه الكنيسة بعيد القدّيس مرقس الرّسول، بعد أن ركبن الباخرة من ميناء يافا.

وقد وصلت لهذه الرّسالة الجديدة كلٌّ من الأم لوسي ماركس ماير والأخت «إينّوشنسا» بناءً على ترشيح الأب «ماري- ألفونس راتيسبون»، وقد وصلتا إلى الاسكندريّة برفقة الأب «زفيرينوس بيڤر»، أحد المقرّبين من الأب تيودور راتيسبون. وقد سكنت الرّاهبتان فور وصـولِـهِـما في فندق متـواضع، اسـمـه «Perrone»(«بيرّوني»)، غير بعيد عن إخوة المدارس المسيحيّة (دي لا سال) ولا عن الكنيسة الواقعة في حيّ الرّمل.

ومما يجدر ذكره أنّ تأسيس الرّسالة الجديدة في حيّ الرّمل بالاسكندريّة جاء بناءً على تشجيع المطران «شورشيا» وإخوة «دي لا سال» الّذين سبق لهم أن تعرّفوا على راهبات «نوتردام دي سيون» في القسطنطينيّة، وزميرنا وخلقيدونية في تركيّا.

وقد بلغ إلى مسامِعِ الرّاهبتَين أنّ الكنيسة المحلّيّة كانت تبحث عن جمعيّة رهبانيّة نسائيّة لتفتح مدرسة للفَتَيات بالاسكندريّة الّتى، حتّى ذلك الوقت، لم يكن فيها إلاّ رسالةٌ نسائيةٌ واحدة تديرها جمعيّة راهبات المحبّة. وما أنْ نجحت راهبات نوتردام دي سيون في شراء نصف المبنى المنهار التّابع لفندق «بولكلي» في محطّة الرّمل حتّى نزحن في 8 مايو 1880 من فندق «بيروني» واتّجهن إلى بيتهنّ الجديد الّذي قامت الرّاهبات بشرائه. وفي هذه الأثناء، غادر الأب «زفيرينوس» الاسكندريّة عائدًا إلى أورشليم/القدس.

وأخيرًا فتحت المَدْرَسة المُرْتَقَبَة أبوابَها لتستقبل فتيات من مختلف الطّبقات. بدأ التدريس في أصغر فصولها في أكتوبر 1880 وسرعان ما أخذ عدد التلاميذ يزداد يومًا بعد آخر. كما فكرّت الرّهبنة في فتح مدرسة أخرى بحيث تكون الدراسة فيها على نفقة المَدْرَسَة الأولى لخدمة أبناء حيّ باكوس المجاور، والّذي كان معروفًا بقلّة موارده الماليّة وفقر سكانه.

وفي عام 1971، سلّمت رهبانيّة «نوتردام دي سيون» المَدْرَسَتَيْن إلى جمعيّة راهبات قلب يسوع المصريّات اللواتي يواصلن تلبية الاحتياجات التربويّة المعاصرة بكل شجاعةٍ ورَوْعَةٍ.

لاشكّ أنّ هذا التّغيير كان نقطة تحوّل بالنسبة لجمعيّة راهبات «نوتردام دي سيون» في مصر. في نفس هذه الفترة، بدأت الأخت «إيمانويل سانكان» نشاطَها الاجتماعيّ في باكوس أوّلاً ثم واصلته في ما بعد في القاهرة مع جامعي القمامة. كذلك، بدا للمسؤولات في الرّهبانيّة أنّ التّكيّف مع الواقع المحلّي يملي عليهن بصورة واضحة وممكنة أنْ تتوزّع الراهبات في جماعات صغيرة. فلم تتردّد الرّاهبات في اندماجهن مع هذا الواقع بصورة عاجلة. وطالما كانت الرّهبانيّة في انتظار لهذا الانفتاح الكنسي على هذه التغييرات المجتمعيّة الّذي صار تحقيقُه ممكنًا بفضل التّكوين الأساسيّ في الرّهبانيّة وتشجيع المجمع الڤاتيكانيّ للاهتمام بالتّكوين المستمرّ فيها.

واليوم، تتعاون راهبات «نوتردام دي سيون» مع جمعيّات أخرى لاسيّما تلك العاملة في مجال النشاط الرّعوي، التربويّ، المسكونيّ، الاجتماعي دون أن ننسى مساهمتهن في مجال التّعليم المسيحيّ والدّراسات الكتابيّة بالتّعاون مع جماعات أخرى.

أين تعمل رهبانيتنا في مصر وفي العالم ؟

Victoria, Sr.Wafaa, Sr. Trudy and children from the Berba day-care centre

Victoria, Sr.Wafaa, Sr. Trudy and children from the Berba day-care centre

عند تسليم مدارسِنا إلى رهبانيّة أخرى في 1971، كما ذكرنا سابقًا، حافظت رهبانيّتنا على جماعة لها في الاسكندريّة بينما بدأت أخرى تسكن في القاهرة، وفي 1993، تأسّسَت جماعة ثالثة في البِرْبا بالمِنْيَا.

وإلى جانب حضورنا في مصر، فإنّنا نعمل كذلك على مستوى العالم الخارجي في فرنسا، ألمانيا، بلجيكا، النّمسا، إيطاليا، بولندا، رومانيا، المملكة المُتّحِدة، إيرلندا، كوستاريكا، نيكاراجوا، السّلڤادور، البرازيل، كندا، الولايات المتّحدة، إسرائيل، تونس، تركيّا، الفيليپين وأستراليا.

وبالرّغم من قلّة عددنا، إلاّ أنّنا نسير، على قَدَمٍ وسَاقٍ، نحو حياة أفضل، وقلوبَنا مليئة بالشّجاعة والأمل.

الخاتمة

تتكوّن «أُسْرَةُ نوتردام دي سيون» اليوم من مَجْمَعَين رهبانِـيّـيْـن هما:

1- راهبات نوتردام دي سيون اللواتي تتبعهنّ كذلك جماعة من الرّاهبات المتعبّدات

2- رهبان نوتردام دي سيون (وفرع رجالى)

بالإضافة إلي العديد من «الأصدقاء».

المقصودون بالأصدقاء هم العلمانيّون من الرّجال والنّساء الّذين يحاوِلون الحياة حسب روح رهبانيّة نوتردام دي سيون وموهبتها الخاصّة في حياتهم اليوميّة ويرتبطون بأواصر الصّداقة بالرّهبانيّة. أحيانًا، يبرز البعض منهم تعهدات مؤقتة ويشاركون في أنشطة مختلفة تعبّر عن الموهبة الخاصّة بالرّهبانيّة.

تتعهّد راهبات ورهبان وأصدقاء أسرة نوتردام دي سيون بتكريس جهودهم «نحو الكنيسة، ونحو الشّعب اليهودي، ونحو العالم حتّى يصبح عالمَ سلامٍ وعدلٍ ومحبّةٍ» (قوانين، بند ١٣).

والآن لسان حالهم يردّد عن اقتناع نفس مقولة تيودور: «كلّما كبُرْتُ كلّما اقتنعت أكثر فأكثر بأنّ عمل رهبانيّة سيون ضرورة ملحّة تمليها الظروف الحاليّة». (تيودور راتيسبون، مذكّرات، ١٨٥٩).

ملحق: احداث بارزة فى حياة تيودور

 29سبتمبر          1766    ميلاد لويزا هيومان

28 ديسمبر          1802    ميلاد تيودور فى ستراسبورج – فرنسا

13 مايو 1832 التحاق تيودور بدراسه الفلسة مع لوى بوتين

 14ابريل            1827    لويزا هيومان تقوم بتعميد تيودور

اكتوبر                1828 تيودور يبدأ تكوينه الكهنوتيّ في إحدى الإكليريكيّات.

18ديسمبر           1830    سيامة تيودور فى ستراسبورج

 19سبتمبر          1836 موت لويزا هيومان

 20يناير             1842    ظهور العذراء لاخيه الفونس فى روما

31 يناير             1842    الفونس ينال سرّ المعموديّة فى الكنيسة الكاثوليكية

20 يونيو 1842 الفونس يدخل الرهبنة اليسوعية

ابريل                 1843    صوفى ولويزا تصلان الى باريس لمساعدة تيودور

مايو                  1847    النساء يبرزن النذور فى «نوتردام دي سيون»

ديسمبر   1852    الفونس يتلقى اعفاءا من الرهبنة اليسوعي  ويطلب الانضمام الى «نوتردام دي سيون» فى باريس

           1855    الفونس يذهب الى اورشليم وتنضم اليه الراهبات فى السنة

10   ناير            1884    موت تيودور فى باريس – فرنسا