The first Christian Community

الجماعة المسيحيّة الأولى

انتشار المسيحيّة:

انبثقت المسيحية من اليهودية. وقد بدأت عملية انفصال المسيحيّة عن اليهودية في القرن الأوّل واستغرقت عدة قرون. وبصفة خاصّة في الجانب الشّرقيّ من الإمبراطوريّة الرّومانيّة حيث كان المسيحيّون يعيشون قريبين جدًا من اليهود. كذلك انتشرت المسيحيّة في الغرب حيث لم تسجّل فيها نسبة معقولة من اليهود. وقد بدأت المسيحيّة كشكل آخر من أشكال اليهوديّة. حسب إشارة تلموديّة (Y. Sanh.29c) تعود إلى ما بعد تدمير الهيكل، كان هناك أربعة وعشرون شكلاً من أشكال اليهوديّة. وحتّى نهاية القرن الرّابع، كان هناك تداخل كبير بين الكنيسة والمعبد اليهودي على مستوى التّقوى الشّعبيّة والمواقف الرّسميّة. كان هناك اختلاف بين توقيت الانفصال بين الأجزاء الشرقيّة والأجزاء الغربيّة من الامبراطوريّة. فالكنائس الشّرقيّة ميّالة على الإبقاء على العادات اليهوديّة أكثر من الكنائس الغربيّة. فالمسيحيّة كانت تميل إلى أن ترى نفسها وهي تكمّل مسيرة اليهوديّة إلى كمالها.

الانفصال بين المسيحيّة واليهوديّة:

Map Roman Empire 150AD

Map Roman Empire 150AD

الكنيسة في القرن الأوّل شكلاً من الأشكال اليهوديّة الّتي لم تقبل الـتّوراة الشّفويّة شأنها في ذلك شأن السّامريّين، والأبيونيّين، والأسينيّين، والصّدوقيّين وأصحاب كتابات البحر الميّت. ومثل أيّة ديانة جديدة، فإنّ المسيحيّة نمت على مراحل كما إنّ المسيحيّة في القرن الأوّل لم تنتشر فقط بين يهود فلسطين بل كذلك بين يهود الشّتات. في البداية، حدث فصل داخل صفوف اليهوديّة ذاتها بين أفرادٍ لم يُبْدُوا اهتمامًا بشخص يسوع آخرين كان يسوع ذا أهمّيّة بالنسبة لهم. بعض العناصر الّتي اختلطت بالعبادة المسيحيّة انطلقت بدءًا من هذه الفترة من القرن الأوّل حيث نجد القواعد المسيحيّة والممارسة الطقسيّة الموصوفة في العهد الجديد أو في كتابات الآباء مشابهة لممارسات كانت معروفة لدي التّيّارات اليهوديّة المبكرة والمتأخّرة ولدى الجماعات المنشقّة. وقد ساهم الموقف المسيحيّ حول يسوع في أن أعطى للعبادة المسيحيّة طابعها الّذي أخذ يتطوّر فيما بعد. وقد حدثت القطيعة النّهائيّة عندما حالت تأكيدات المسيحيّين بخصوص لاهوت يسوع دون الجمع بين اليهود والمسيحيّين في عبادة واحدة. وكلّما زادت أهمّيّة شخص يسوع كلما اتّسعت الهوّة بين اليهود والمسيحيّين. وصارت التماثيل الّتي تصوّر ألوهيّة يسوع مشكلة بالنسبة للمؤمنين بالإله الواحد. وقد ناقش «شايه كوهين» (Shaye Cohen) هذه المسألة فوصل إلى أنّ القطيعة تمّت بسبب الإيمان بقيامة يسوع وظهور التّماثيل على أنّها تماثيل المسيح .في الواقع، تمّت القطيعة بين الكنيسة والمعبد اليهودي عندما كفّت المسيحيّة الأولى أن تُعامَل معاملة الجماعات المنشقّة، بصفة خاصّة عندما قرّر المسيحيّون الأوائل عدم الخضوع للممارسات اليهوديّة المعتادة كتقديس السبت، وطقوس الشريعة اللاهوتيّة والختان.

اليهود المتنصّرون

لا شكّ أنّ الرّوايات الّتي نقلها التقليد حول مصير كنيسة أورشليم يشوبها بعض التناقض.

يروي أوسابيوس أنَّه حتّى زمن هادريان كان هناك خمسة عشر أسقفًا من أصل يهوديٍّ.

زكّا: رابِع مطران على أورشليم، من ١١٢ إلى ١١٩. كان من أصلٍّ يهوديٍّ.

ماتياس: ثامِن مطران على أورشليم، حتّى ١٢٤. كان من أصلٍّ يهوديٍّ.

في الواقِع، كان أوّل خمسة عشر أسقفًا على أورشليم، حسب ما كتبه أوسابيوس القيصري، المؤرّخ الكنسي الّذي عاش في القرن الرّابع:

«كان الأوّل يعقوب، المدعُوّ أخا الرّبّ الثّاني: سمعان؛ الثّالِث: يسطس؛ الرَّابِع: زكّا؛ الخَامِس: طوبيا؛ السّادِس: بنيامين؛ السّابِع: يوحنّا؛ الثّامِن: متياس؛ التَّاسِع: فيليبّس؛ العَاشِر: سنيكا؛ الحَادِي عَشَر: يُسْطُس؛ الثّاني عَشَر: لاوِي؛ الثّالِث عَشَر: إفرس ؛ الرَّابِع عَشَر: يوسف؛ وأخيرًا، الخَامِسَ عَشَر: يَهُوذَا (الّذي لقي حَتْفَه في ثورة بار حُقْبَا (Bar Kokhba) ؛ هؤلاء هم مطارنة أورشليم الّذين عاشوا في عصر الرّسل وفي الزّمن المشار إليه. كلّهم ينتمون إلى أهل الخِتان.» – مرقس: كان أوّل مطرانٍ على أورشليم من أصل وثنيٍّ. ظلّ مطرانًا عليها حتّى ١٥٦. (راجِع في شبكة الانترنت الموقع التّالي:

www.catholic.co.il under Feast of Bishops of Jerusalem)

ساهَم سقوط أورشليم وضياع مركزيّة السّلطة اليهوديّة بسبب نقل مركزها بعيدًا عن أورشليم في دَفع الكنيسة إلى الأخذ من روما مقرًّا للسلطة في الكنيسة الغربيّة وفي الرّفع من شأن بطرس. هل كان موقف يعقوب باعتباره رأس كنيسة أورشليم قد تعرّض إلى الهبوط بسبب نجاح بولس في رسالته. هل كان غير اليهود معفيّين من طقوس الشريعة اليهوديّة؟ هل كُتِب التاريخ لصالح المسيحيّين من أصل وثنيّ ؟ هل حلّت روما محلّ أورشليم بالنسبة لهذه الحركة الجديدة القادمة من الوثنيّة؟

إنّ النظريّة القائلة بأنّ المسيحيّة بدأت كإحدى الحركات العديدة الّتي نشأت داخل اليهوديّة ثم برزت في عصر قسطنطين كدين للدولة تدفع البعض إلى الاعتقاد بالنظرية السّابقة الخاصّة بحلول روما محل أورشليم.

انّ الملامح اليهوديّة الأربع هي الخِتان، تقديس السّبت، الشرائع الخاصة بالطّعام، والإيمان بإلهٍ واحدٍ. حول هذه المسألة فإنّ المسيحيّة تباعدت عن اليهوديّة وكما أكّد الكتّاب المسيحيّون فإنّ التّعليمات الشّرعيّة اليهوديّة لا يجب أن تؤخذ حرفيّاً. وقد سجّل التّاريخ أنّ الكنيسة النّاشئة كانت تحرّم العادات اليهوديّة على أبنائها الّذين كان معظمُهم وافدًا من خلفية وثنيّة.

وعندما بدأ الكتاب اليونان-الرّومان يكتبون عن المسيحيّة لم يشيروا إلى علاقة المسيحيّين بالخِتان، أو بتقديس السّـبت، أو بالشرائع الخاصة بالطّعام، أو بالإيمان بإلهٍ واحدٍ بل عرّفوها بأنّها مناهضة لليهوديّة كما إنّهم كانوا يستخدمون مصطحات مرتبطة بالثقافة اليونانية-الرّومانيّة. وقد حظيت هذه الأفكار بالقبول رغبة من المسيحيّة في استقرارها. كذلك فإنّ اليهوديّة بحثت عن استقرارها داخل العالم اليوناني-الرّوماني.

هناك ثلاث مسائل رئيسيّة في الكتابات المناهضة لليهوديّة، هي:

١- رفض إسرائيل وتوجيه الدّعوة، في المقابل، إلى الوثنيّين.

٢- الشريعة ومراعاتها.

٣- التّوحيد والمسيحانيّة.

حركة اليهود المتنصّرين:

(جان دانييل كيسلي) هي حركة قامت على يد مجموعات من المسيحيّين الّذين حافظوا على كل أو جزء الطّقوس اليهوديّة كما تنص عليها الشّريعة.

(إيمانويل تستا): اليهود المتنصّرون هم المرتدّون من الكنيسة الأم في القدس إلى المسيحيّة. كانوا أساسًا من فقراء اليهود والمساكين.

(جوان تايلور): المسيحيّة اليهوديّة تتكون من يهود أصليّين ويهود مرتدّين كانوا من المدعّمين للممارسات الدينيّة اليهوديّة.

كان اليهود المتنصّرون مصنّفين عادة تحت اسم «الأبيونيّين». لفظة «إبيونيّة» تعني «فقيرًا». لكنّ المقصود بالفقر هنا فقرًا في فهمهم (راجع: أوسابيوس، ق ١). لأنّهم كانوا يرفضون صيغة الإيمان المسيحاني (Christology) كما علّمته السّلطة الكنسيّة. (أما لفظة «محروم» (apostate) فتُطلَق على من جَحَد عقيدته الإيمانيّة ).

وقد أُحْبِطَت حركة اليهود المتنصّرين عبر موقف الغالبيّة غير اليهوديّة من أعضاء الكنيسة.

ويحتمل أن حركة اليهود المتنصّرين قد اختفت كحركة قابلة للنمو. وكان عزل اليهود المتنصّرين جزءًا من عملية فصل الكنيسة عن اليهوديّة.

وقد صارت كريستولوجيّة الكنيسة لا الإيمان بيسوع المضمون الأساسي للدين المسيحي.

ويُعَدّ يوستينوس الشّهيد أوّلَ كاتب بين آباء الكنيسة يصرّح أنّ اليهود كانوا يَلْعَنون المسيحيّين في معابدهم من خلال صلاتهم المعروفة باسم «الاثنتي عشرة بركة».

لذلك فإنّ اليهود المتنصّرين صاروا مهمّشين على يد الجماعات اليهوديّـة والمسيحيّة على حدّ سواء نظرًا لوجود العديد من الاختلافات. فهناك العديد من المواضيع لم تكن مقبولة لدى اليهود كطّبيعة المسيح الإلهية أو عدم المحافظة على التشريعات الطقسيّة اليهوديّة بل منع ممارستها صراحةً أو وجود بعض الشكوك بخصوص الكريستولوجيّا.

قديمًا، كان اليهود المتنصّرون الشكل الأصلي للمسيحية قبل أن يكفّ المسيحيّون الأوائل انتماءهم لليهوديّة وحيث إنّنا لا نعرف لكنيسة أورشليم تطوّرًا يسير على خطٍ مستقيمٍ فإنّ من الواقعي أن ننظر إلى عقيدة اليهود المتنصّرين وإلى عبادتهم كامتداد طبيعيٍّ لبدايات المسيحيّة وهي داخل رحِم اليهوديّة.

فالجماعة المسيحيّة الأولى بدأت مع:

– التّلاميذ الّذي ساروا مع يسوع عبر الجليل والسّامرة واليهوديّة.

– الأشخاص الّذين آمنوا بصلب يسوع وقيامته من الأموات.

– كلّ الّذي اختبروا يسوع سواء من خلال إحدى الرُّؤَى (كورنيليوس) بعد الموت والقيامة.

– أو سمعوا الرّسل وهم يكرزون مثل الوزير الحبشي المذكور في أعمال ٨: ٢٦-٤٠

– كانوا ينتمون إلى المعابد اليهوديّة المحلّيّة لكنّهم بدأوا يميّزون أنفسهم في وقت مبكّر عن جماعات يهوديّة أخرى من خلال التسميّة لا من خلال البُنْية. هؤلاء كانوا يهودًا عاشوا في أورشليم، واليهوديّة، والسّامريّة، والجليل.

– اليهود اليونان الّذين كانوا يعيشون في أورشليم أو كانوا يحُجّون الهيكل في أورشليم.

– اليونان والرّومان الّذين سمعوا بشارة التلاميذ وهو يعظون في مدنهم. لا اختلاط بين المسيحيين واليهود بعد الآن.

في عام ٦٤، فإنّ نيرون لا يخلط بين اليهود والمسيحيّين. فقد كان المسيحيّون بمثابة جماعة يهوديّة منشقّة تعيش في روما واعتُبِرَت مسؤولةً عن حرق روما لا جماعة اليهود.

كيف كانوا ينظّمون أنفسَهم ؟

راجِع أعمال ٦: ١ «في تِـلكَ الأَيَّام كَـثُرَ عَـددُ التَّلاميذ، فأَخذَ اليَهودُ الهلّينيّون يتذمرّون على العبرانيّين لأنّ أراملَهم يُـهمَلْنَ في خدمة توزيع الأرزاق اليوميّة».

الواضح من سفر أعمال الرّسل أنّ النّظام المسيحي المبكّر كان نسخة من نظام المعبد اليهوديّ وسيظلّ هكذا حتّى القرن الخامس حين بدأ أسقف روما يُظهِر تأثيرَه. وبدأ يمسك في يده مركز الحكم على الجانب الغربي من الكنيسة.

وها هي وظائف المعبد اليهوديّ الذي نجدها في الجماعة المسيحيّة الجديدة:

– جمع التبرّعات من كنائس الأمم الوثنيّة لصالح الكنيسة الأمّ في أورشليم (١ كور ١٦: ١-٣؛ ٢ كور ٨: ٩؛ روم ١٥: ٢٥-٢٧).

– قراءة وتفسير الكتب، الصلوات المشتركة، والوجبات الجماعيّة. (١ كور ١١: ١٧-٣٤؛ ١٤: ٢٦).

– إيجاد حلول لمشاكل قانونيّة بمناقشتها داخل الجماعة (كور ٦: ١-٧).

– كان يُشار إلى السلطة الرّوحيّة مكتفين بذكر اسم الشخص بدون اللجوء إلى ذكر منصبه.

مَن كانوا ؟

يشير العهد الجديد أنّ المسيحيّين الأوائل كانوا مجموعتين:

الأولى كان تقبل المهتدين من الوثنيّين بشرط أن يحافظوا على شرائع نوح السبع (راجِع: أعمال ١٥: ١٩).

أمّا الأخرى فكانت تعترض على قبل المهتدين من الوثنيّين الّذين لم يكونوا متقبلين للتشريعات اليهوديّـة المعروف باسم «الهلاخاه» (غلاطية ٢: ١٢؛ أع ١١: ٣).

– كان بطرس ويوحنّا يصعدان إلى الهيكل ليصلّيا (…. ٢١: ٢٦)

– بولس كان يعظ في المعبد اليهوديّ كذلك الهيكل.

– أعمال ٥: ٢١ : «فسمعوا له ودخلوا الهيكل عند الفجر وأخذوا يعلمون. ». أين كانت الجماعة المسيحيّة الأولى تعيش ؟ في أورشليم، بعد تدمير الهيكل انتقلت الجماعة من الجليل إلى يافا. بعد صعود يسوع، فإنّ التّلاميذ عادوا إلى أورشليم ومكثوا كجماعة للصلاة معًا. كلّ هؤلاء استمرّوا على اتّفاق واحد في الصّلاة والتّوسّل، مع النّسوة ومريم أم يسوع، ومع إخوته. راجع أعمال الرّسل ١: ١٤.

في الجماعة.

الآن، فإن شاؤول كان راضيًا عن قتله. في ذلك الوقت، اشتعل اضطهاد عظيم ضد الكنيسة التي كانت في القدس وتشتّتوا كلّهم، ما عدا الرسل، في جميع أنحاء مناطق يهوذا والسامرة. ان الدّعاية اليهوديّة النّاجحة الّتي أظهرَت سموّ اليهوديّة على الوثنيّة باعتبارها ديانة أخلاقيّة وتوحيديّة مهّدت الطريق للتبشير المسيحي.

يؤكد «فلوسّر» (Flussser) أن التغيير في الاتجاه من الشرق إلى الغرب الذي سَـبَـق لغير اليهود أنْ حسموه كان محوريا في نجاح التبشير المسيحي مما أدّى إلى تحوّل المسيحية لتكونَ دينًا أوروبيًّا. وهكذا، فإنّه رأى الفكر المتحرّر الغربي كعنصر مساعد في تقبّل العالم غير اليهوديّ للإطار الأديولوجي البولسيّ.

آباء الكنيسة العظام: المكان الّذي رأى فكر آباء الكنيسة الأوائل العظام، والّذي كان مركزًا لصياغة العقيدة المسيحيّة أصبح في وقت غزو المسلمين أصبح مكانًا اختفت منه المسيحيّة تدريجيًّا. فقط، أثناء الاستعمار والثّورة الفرنسيّة، عادت المسيحيّة إلى هذه البلاد: الجزائر، المغرب، تونس وليبيا.

ماذا كانت الجماعة المسيحيّة الأولى تعمل؟

كانوا يبشّرون بموت يسوع وقيامته. ومن خلالهم وقعت بعض المعجزات عنايةً بالمرضى والمحتاجين. «وكانَ يَجري عن أَيدي الرُّسُـلِ في الشَّعبِ كثيرٌ مِـنَ الآياتَ والأَعاجيب وكانوا يَـجتَمِعونَ كُلُّهم دونَ استِثْناءٍ في رواقِ سُـلَيمان. كانَـت جَـماعاتُ الرِّجالِ والنِّساءِ تَزْدادُ عَـدَدًا فتَنضَمُّ إِلى الرَّبِّ بِالإِيمان» (راجِع : أعمال الرّسل ٥: ١٢-١٤) فبماذا كان المسيحيّون الأوائل يؤمِنون؟ كانوا يؤمنون بموت وقيامة يسوع من الأموات. وكانوا يؤمنون بمعموديّـة التّوبة الّتي كان يمارسها يوحنّا المعمدان بالتغطيس للتّوبة إلى الله. وكانوا يؤمنون بمعموديّة الرّوح القدس. وكانوا يؤمنون بعهد جديد (بالنسبة لبعض الكتّاب مثل ما جاء في رسالة برنابا ٤: ٦- ٦) حلّ محلّ كل العهود السّابقة.لأنّ اليهود أضاعوا حقّهم فيها من خلال تصرّف غير لائق.

كيف كان المسيحيّون الأوائل يعيشون؟

الضيافة محبّة القريب والغريب والعدوّ كانت ملابسهم بسيطة كباقي سكّان البلد. الكرازة لم تكن تتم في الأماكن العامّة بل بصوت هادئ كانوا يعيشون مثل أي شخص آخر وكانوا يشاركون في الحياة الاجتماعيّة وفي مجالات العمل. كانوا يحترمون بعضهم بعضًا احترامًا عميقًا: الأسياد نحو العبيد، والرّجال نحو النّساء لم يكونوا يهابون الموت. لم تكن أقوالهم هي ملح الأرض بل حياتُهم ذاتها. الشّهيد ليس مَن يعظ الكلمة بل من يعيشها. ماهو ردّ فعل الآخر على هذا الإيمان الجديد؟

«ولَـم يَجْرُؤ أَحَـدٌ مِـن سائِـرِ النَّاسِ أَن يَـلتَحِقَ بِـهم، مع أَنَّ الشَّـعـبَ كانَ يُعَظِّمُ شَأنَهم. وكانَـت جَـماعَـةُ النَّاسِ تُـبادِرُ مِـنَ المُدُنِ المُجاوِرَةِ لأُورَشَـليم، تَحـمِـل المَرْضى والَّذينَ بِهِم مَسٌّ مِنَ الأَرواحِ النَّجِسَة فَيُشفَونَ جَميعًا. ان فقامَ عَظيِمُ الكَهَنَةِ وجَميعُ حاشِيَتِه ( مِن مَذهَبِ الصَّدُّوقِيِّين)، وقدِ اشتَدَّت نَقمَتُهُم، فأخذوا برأيه ودَعَـوا الرُّسُـلَ فضَرَبوهم بِالعِصِيّ ونَهَوهُم عنِ الكَلامِ على اسمِ يسوع».ان ثُمَّ أَخلَوا سَبيلَهم. (راجِع: أعمال الرّسل ٥: ١٣-٤٠).

أيُّ اسم أُعْطِيَ للمؤمنين الأوائل بيسوع؟

كانت أنطاكية أوّل مدينة أطلق فيها على الحركة المسيحانيّة الجديدة لقب «مسيحي» (راجِع: أعمال الرّسل ٢: ٧-١٢).

أعمال الرّسل ٦: ١ «في تِلكَ الأَيَّام كَثُرَ عَددُ التَّلاميذ».

أعمال الرّسل ٦: ٧ «وكانت كَـلِمَةُ الرَّبِّ تَـنْمو، وعَـدَدُ التَّلاميذِ يَـزْدادُ كَثيرًا في أُورَشَليم».

أعمال الرّسل ٨: ١ب «وكانَ شاوُلُ مُوافِقًا على قَتْلِه».

وفي ذلكَ اليَوم وَقَعَ اضطِهادٌ شَديدٌ على الكَنيسَةِ الَّتي في أُورَشَليم،

فتَشتَّتوا جَميعًا، ما عدا الرُّسُل، في ناحِيَتَيِ اليَهودِيَّةِ والسَّامِرة.

أعمال الرّسل ٩: ١ «أَمَّا شاول ما زالَ صَدرُه يَنفُثُ تَهديدًا وتَقتيلاً لِتَلاميذِ الرَّبّ. فقَصَدَ إِلى عَظيمِ الكَهَنَة ».

أعمال الرّسل ٩:٢ «وطَـلَبَ مِـنـه رَسائِـلَ إِلى مَـجامِعِ دِمَـشق، حتَّى إِذا وَجَـدَ أُناسًـا على هذِه الطَّريقَة، رِجالاً ونِـساء، ساقَـهم موثَـقــــين إِلى أُورَشَليم.».

أعمال الرّسل ٩: ١٣ «فأَجابَ حَنَنْيا: “يا رَبّ، سَمِعتُ بِهذا الرَّجُلِ مِن أُناسٍ كَثيرين كم أَساءَ إِلى قِدِّيسيكَ في أُورَشَليم”.»

أعمال الرّسل ١٠: ٢٣ب : معموديّة كورنيليوس : أعمال الرّسل ١٠: ٢٣ب-٤٨.

أعمال الرّسل ١٠: ٢٣ «ورافَقَهُم بعضُ الإخوَةِ مِن يافا».

كيف أعلنوا الخبر السّار؟

بدءًا من كلمة الله في العهد القديم نظرًا لأنّّه لم يكن هناك عهد جديد. فدعوا التّلاميذ وبعد دعوتهم، تكلّموا عن اسم يسوع أعمال الرّسل ٨: ٣٥ فتح فِيلِيبُّس فاه وبدأ مِـن هذه الفقَرةِ يُبَشِّرُه بِيَسوع.. أعمال الرّسل ٩: ٢٥ فسارَ بِـه تلاميذُه لَـيلاً ودَلَّوه مِـنَ السُّورِ في مَقْطَفٍ. أعمال الرّسل ٩: ٢٨ ( ٩: ٢٧ NKJ) «وكَيفَ تَكَلَّمَ بِجُرأَةٍ بِاسمِ يسوعَ في دِمَشق».

أعمال الرّسل ٢٨: ٢٣ (NKJ) «ثُـمَّ جَـعَلوا له يَـومًـا جاؤوا فيه إِلى مَـنزِلِـه وهُـم أَكـثَـرُ عَـدَدًا. فأَخَـذَ يَـعـرِضُ لَـهُمُ الأُمور فيَشهَـدُ لِمَلَكوتِ الله ويُـحاوِلُ أَن يُـقنِعَهم بِـشأنِ يَـسوع مُـعتَمِدًا على شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياء. فبَقِيَ على ذلك مِنَ الصَّباحِ إِلى المَساء. ».

المجامع الكنسيّة الأولى والسنودسات دلالة:

على أن فصل المسيحيّة عن اليهوديّة لم تكن قد تمّت في القرن الرّابع وعلى أنّ العداء نحو اليهود بدأ في النمو حيث إنّ المسيحيّة أخذت تزداد قوّةً.المشكلة هي في العادات المتهوّدة الّتي كانت لا تزال حيّة حتّى في كنيسة الأمم المستمرّة في النموّ. إن أصل الكنيسة في اليهوديّة، وبما أنّ الكنيسة قد نادت بأنَّها إسرائيل الجديد وأنّ الشّريعة قد اكتملت في المسيح فلم يعد هناك داع للطّقوس الشرعيّة اليهوديّة فيما بعد. كانت المسيحية ميّالة لرؤية نفسها باعتبارها استمرارا أو إتمامًـا لليهودية.

لقد تمّت المجموع الأولى كلّها في الشّرق. حيث كانت نسبة السّكان اليهود أعلى. وفقط عندما بدأت المجامع تبرز انطلاقًا من الغرب فإنّ القوانين المنهاهضة لليهود بدأت تظهر.

كان مجمع إلڤيرا في أسبانيا المنعقد في ٣٠٥م كان أوّل مجمع ظهرت فيه قوانين مناهضة لليهود. فكانوا ينظرون إلى اليهود على أنّهم مصدر تهديد للمسيحيّة، لذلك فإنّنا نقرأ

في قانون ١٦ إنّ الزّواج المختلط باليهود ممنوعٌ

القانون ٧٨: الزنا بيهوديّة يعاقَب عقوبةً قاسيةً.

القانون ٥٠: ممنوع تناول الطّعام مع اليهود.

القانون ٢٩: تقديس السّبت والاحتفال به جريمة.

القانون ٤٩: يمنع اللجوء إلى اليهود لتبريك الحقول وإلاّ فإنّ ذلك يمكن أن يؤدّى إلى الطّرد الكامل من الكنيسة.

إنّ تقديس السّبت والأعياد الطّقسيّة ومراعاة القوانين الخاصّة بالأطعمة المحلّلة والمحرّمة أمور كان لها قوة ساحرة في أعين الجماهير المسيحيّة.

يعتقد فيليپ سيجال (Phillip Sigal) أنّ ظاهرة التّهويد في الكنيسة خلال القرون الأولى فيما يتعلّق بتاريخ الفصح أو بالعادات الغذائيّة أو بتقديس السّبت لم تكن ثمرة مجهود اليهود في سبيل تهويد كنيسة ينتمي أبناؤها إلى الأمم الوثنيّة بل ثمرة صراع من أجل الحفاظ على عناصر يهوديّة داخل الكنيسة بين مسيحيّين كانوا قد اختبروا بعضًا من الفوضى.

يقول القانون ١٦ من قوانين سينودس لاوديسيا في فريجيا المنعقد حوالي سنة ٣٦٠م :

«أيّام السّبت، فإنّ الإنجيل وأجزاء أخرى من الكتب المقدّسة لا بد أن تُقرأَ بصوت جهوريّ».

ويقول القانون ٢٩:«على المسيحيّين ألاّ يتهوّدوا فيعطّلوا أعمالهم أيام السّبت بل عليهم أنْ يعملوا في هذا اليوم؛ أمّا في يوم الرّب فعليهم باعتبارهم مسيحيّين أن يكرموه بكل ما في وسعهم. ومع ذلك، إذا ثبت أنّ هناك من يسلك مسلك اليهود فسوف يُمْنَع مِنْ قِبَل المسيح».

وفي إطار المجهودات الّتي بُذلَت في سبيل الابتعاد عن العادات اليهوديّة، نجد في «الدّيداخي» ٨، ١ إنّ على المسيحيّين ألّا يصوموا أيّام الاثنين والخميس بل الأربعاء والجمعة رغبة في عدم ممارسة الصّوم طبقًا للتقاليد المرعيّة عند اليهود.

وقد تمكّنت الكنيسة من تقوية سلطتها بفضل الاعتراف الرّسميّ بها على يد الأباطِرَة المسيحيّين عندما صارَت المسيحيّة ديانة غير محظورة. وقد واصلت الكنيسة نموّها بصفة ثابتة وتضاعف عدد أعضائها ابتداءً من عصر قسطنطين. ومع انهيار الامبراطورية الرّومانيّة في ٤٧٦م زادت سلطة الكنيسة في النّمو وزاد عدم تقبّلها لليهود كذلك. وقد تعاونت الكنيسة والسلطات المدنيّة معًا في سبيل تقويض موقف اليهود، لدرجة مكّنتهما من إحداث فصل بين اليهود والمسيحيّين كذلك على الصعيد الاجتماعي.

وقد ساعدت قوانين الإمبراطور ثيئودوسيوس بإجراءاتها التقييديّة ضد اليهود بأن أرست الأسس اللازمة في سبيل زيادة عدم التّسامح بين المسيحيّة واليهوديّة. وقد كانت قوانين الإمبراطور ثيئودوسيوس خطوةً هامّـة في السّير نحو الفصل بين الكنيسة واليهوديّة وقد ساهمت قوانين الإمبراطور جستنيان في القرن السّادس بأن ضربت عرض الحائط بالمواد المتعلّقة بحماية اليهود أو السّماح لهم ببعض الامتيازات والّتي كانت مذكورة في قوانين الامبراطور ثيئودوسيوس.

السّبت والأحد

لم يصبح تقديس السّبت ممنوعًا على المسيحيّين إلاّ عندما صار الأحد بديلاً للسبت اليهوديّ غير أنّ هذه العمليّة استغرقت عدّة قرون. لم يناقش القديس بولس في كولوسي ٢: ١٦-١٧ شريعة السّبت لكنّه قال إن شريعة المحبّة أولَى بأنْ تُطَاع «فمَن أَحَبَّ غَيرَه أَتَمَّ الشَّريعة» (راجِع: روميه ١٣: ٩). استمرّت مصر الهللينستيّة ومعها باقي الشّرق المسيحيّ الهللينستي في تقديس السبت والأحد معًا حتّى القرن الخامس الميلاديّ.

لم تذكر كتابات الآباء الرّسوليّين أنّ قيامة المسيح من الأموات هي السّبب الرّئيسيّ في الاحتفال بعشاء الرّبّ أو لتقديس السبت. ففي رسالة أكليمانضس (٨٠-١٤٠)، يميل كاتبها إلى إبراز استمراريّة التّقليد المسيحي مع التّقليد اليهوديّ بدلاً من فصله عن اليهوديّة. وفي رسالة برنابا (٨٠-١٢٠) في كتاباته، فهو يميل إلى التأكيد بقوّة على الفرق بين اليهوديّة والمسيحيّة. وبالرّغم من مناهضته لليهوديّة وبالرّغم من تعليقاته ضد اليهود، فإنّ رسالة برنابا تستخدم أفكارًا أصلُها يهوديّ بغرض بناء فكره اللاهوتيّ. كذلك إغناطيوس الأنطاكي فإنّه يقف نفس موقف برنابا ويبدو أنّ مجموعات المسيحيّين لا تزال تقدّس السّبت وتحتفل في يوم الأحد بيوم الرّبّ.

كما أنّ الدّيداخي (٥٠-١٢٠م)، أقدم المصادر التشريعيّة الكنسيّة، يروي لنا أنّ احتفالاً منتظمًا للعشاء الرّبّانيّ كان يقام داخل الجماعات المسيحيّة الأولى.

مع كتابات يوستينوس الشّهيد (١٥٠-١٦٠) نعرف العلاقة بين الأحد كأوّل أيّام الأسبوع لعلاقته بقيامة المسيح من الأموات وخلق العالم. وحتّى القرن الميلاديّ الرّابع فإنّ احتفالات الأحد والسّبت كانت مشتركة. ابتداءً من القرن السّادِس فإنّ تحويل رموز السّبت إلى الأحد أفسح المجال أمام الكنيسة لكي تستفيد من التحوّل من العبادة في يوم السّبت إلى العبادة في يوم الأحد. وكذلك فإن أهم الأعياد اليهوديّة قد تمّ تنصيره مع نهاية القرن الخامس الميلاديّ.

المصادر

• Adalbert Hamman, Die Ersten Christen. Aus dem Französischen übersetzt von Katharina Schmidt Philipp Reclam jun.Stuttgart Titel der Orginalausgabe: La Vie quotidienne des premires chretiens (95-197)
• Grundrisse zum Neuen Testament, das neue Testament Deutsch-Ergänzungsreihe Herausgegeben von Jürgen Roloff Band 5 Geschichte des Urchristentums von Hans Conzelmann sechste Auflage Göttingen-Vandenhoeck und Ruprecht 1989
• The separation of early Christianity from Judaism (Sr. Marianne Dacy NDS)