Sion in El Berba

 كيف تعيش « نوتردام دي سيون» في «البربا» الواقعة في صعيد مصر ؟

لبربا» الواقعة في صعيد مصر

تشرين الثاني (نوڤمبر) ٢٠١٢

في ١٩٩٤، أرادت راهبتان (الأخت دارلين والأخت جوليانا) من جماعة القاهرة أن تنشرا موهبتنا في قلب الصّعيد وقد وقع الاختيار على قرية «البربا» (حوالي ٣٠٠ كم جنوب القاهرة). فقد أهدى لنا المطران «أنطونيوس نجيب» مزرعة قديمة لنسكن فيها. وقد بدأنا بالعمل الجاد داخل مشروع التنمية الاجتماعية في القرية.

هناك، صار السيّد «ولسن»، وهو شابٌ متزوّج، مسؤولاً عند مركز التنمية، وعملنا في نفس المركز بصفة مساعدين. بدأ مركز تنمية برامج القروض لإدخال الكهرباء والمياه الجارية في المنازل. وكانت هذه القروض الأولى لتطوير المجتمع الريفي.

كان أول مشروع اهتمّت به الأخت جوليانا عيادة نهاريّة بالإضافة إلى برنامج غذائيٍّ للأطفال الرضع الّذين يعانون من سوء التغذية. أمّا الأخت دارلين فقد عملت كاستشاريّة لمجموعة التنمية المحلية التي تنظمها أيبارشيّة المنيا. مع كاهن الرعية كنا نعمل معًا في الأنشطة الرعوية العديدة التّابعة للكنيسة. كانت في شكل دراسات للكتاب المقدس، والتعليم المسيحي والزيارات الرعوية في العائلات المسيحية المقيمة في القرية.

بعد هذه البدايات الأولى بدأنا العمل في مشروع “بستان لابهجة”. وقد بدأ المشروع يدخل في مرحلة أساساته الأولى عندما ارتفع السّور المحيط بقطعة أرض زراعيّة تبلغ مساحتها فدّانين لتحديد ملكيّتها ضمانًا لعدم التّعدي عليها. وقد تحوّل هذا البستان بكل ما فيه من أراجيح وألعاب أرضيّة إلى واحة يستطيع مختلف المصريّين، مسيحيّين أو مسلمين، أن يتقابلوا.  هنا يمكنهم أن يلعبوا معًا في مكان آمن يجلب لهم مزيدًا من السّرور.

بعد أن عشنا لمدة ثماني سنوات في مزرعة قديمة انتقلنا إلى مبنى جديد من أربع طوابق. تسكن الأخوات في الطابق الثالث منه. خصّصت لمركز الرعاية النهارية الّذي يهتمّ بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بعض الغرف في الطابق الرابع بالإضافة إلى تجهيز السّطح ليكون ملعبًا لهم. وتساعد الأراجيح ولعبة الترامبولين على تحقيق توازن في طاقاتهم.

وبعد عدّة سنوات من الحياة في البربا فإنّ بعض الفتيات أبدين اهتمامًا بعملنا وروحانيّتنا. لذلك فإنّ نشاط الدّعوات صار دافعًا إضافيًّا لكي تبقي «نوتردام دي سيون» في البربا. لذلك فإنّ الخبرة جعلتني أؤكّد أنّ على عاتق «نوتردام دي سيون» أن تنشر موهبتها باتّباع التنوّع الهائل في أفكار الأب تيودور الرّوحيّة.  لذلك فإنّ البربا أصبحت مركز للتّكوين في مصر. لكنّ إمكانيّاتنا هنا محدودة لأنّ كافّة الكورسات في الكتاب المقدّس وفي اللاهوت تُلْقَى في القاهرة. فالشابات بحاجة إلى هذه الدراسات لمعرفة المزيد عن اللاهوت المسيحي والإيمان وللحصول على نظرة أوسع عن حياة النّاس اليومية. أصبح مركز الرعاية النهارية فرصة جيدة لإشراك المتقدّمات للرّهبنة كمتطوعات. هناك كثير من فتيات القرية يزدَدْن يومًا بعد يوم اهتمامًا بـ «سيون». لذلك تحتاج «نوتردام دي سيون» في «البربا» إلى جماعة أوسع لتتمكّن من مرافقتهــنّ ومشاركتهنّ في الحياة الجماعيّة. كل عام، يهدي فندق «شيراتون» في الغردقة لأطفال مركز الرعاية النهارية فرصة قضاء يوم واحد على شاطئه المطلّ على البحر الأحمر. هناك، يمكننا أن نتمتع بنعمة الحياة والأنشطة المختلفة دون أدنى تكلفة ماليّة. كذلك نتناول أطعمة شهيّةً ورعايةً توفّرها فنادق من فئة الخمس نجوم. حيث إنّ مجموعتنا تتكون من مسيحيِّين ومسلمين، فإنّ رحلاتنا السّنويّة تساعدنا كذلك للتّعرّف على بعضنا البعض بطريقة أعمق.إحدى معلّماتنا امرأةٌ مسلمةٌ. زوجها، وهو شيخٌ شابٌّ، يرافق المجموعة دائما. وتدور بيننا محادثات رائعة كثيرة.

لذلك فإن مركز الرعاية النهارية قد أصبح وسيلة لبدء حوار دينيٍّ وإن كان في مجرّد مجموعة صغيرة من المسيحيين والمسلمين. وأوّل خطوة لابد من إجرائها هي تنظيم بعض الاجتماعات لتبادل الآراء في مختلف المواضيع الثقافية والدّينيّة. تتكون المجموعة من بعض المسلمين وكاهنين. إلى هذا المستوى الجميل وصلت موهبة «نوتردام دي سيون» هنا. لذلك من المحبّذ أن تنضم إلى هذه الجماعة أكثر من راهبة. عند قدومنا إلى «البربا»، وعند انطلاقنا في العديد من المشاريع، اختبرنا دعوة شبيهةً بدعوة إبراهيم الّتي سمعها من قبل الله. لذلك فإنّ وجود مجموعة للحوار الدينيّ تعتبر بمثابة تحدِّ شبيه بما نسمعه في حكاية إبراهيم كما نقرؤها في تكوين ١٢: ١-٤. وكان أبرام قد سمع صوتا، صوتا جديدا، لم يسمعه من قبل. طلب منه هذا الصّوت مغادرة بيته الآمن، وعائلته الكبيرة، لكي يتّجه إلى مكان جديد، غير معروف، سيدلّه عليه. كانت مهمة إبراهيم أن يواجه هذا التّحدي باتّباعه ذلك الصّوت. أدى به هذا الترحال إلى الأرض حيث كان الله، وهو مصدر حياته، قد أعد كل شيء بالنسبة له وجعله أبا لعدد كبير. فقط عندما نبدأ في السير ونبادر بالعمل يمكننا أن نختبر الوعود الّتي يقدّمها الله لنا. إنّ الله ينتظر ردًّا منّا على صوته.

الأخت جوليانا بالدنجر من راهبات «نوتردام دي سيون».